كتاب قداسته
جاليرى الكتب
ملف
كتب الرؤساء –
الفاتيكان
قداسته
His Holyness
تأليف : كارل برنشتين
وماركو بوليتى.
قداسته ..
ريجان يعترف
بالفاتيكان : قوة عظمى ثالثة .
بركة الديمقراطية
تلاحق رحلاته للنظم الشيوعية والديكتاتورية
البابا يبحث عن دور
بعد سقوط الاتحاد السوفيتى
أسقف كاتدرائية
بروكسل : البابا يريد زيارتنا ولكننا لا نريده
زعيم الفاتيكان يقود
معركة ضد "مادونا" رمزالعرى والإثم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عرض وتقدم : حسن عامر
فى حياة قداسته ثلاثة
مشاهد درامية ...
الأول: عندما بكى فى
وارسو لأول مرة بعد 35 عاما من جفاف الدموع وشاركه فى البكاء رونالد ريجان المرشح
للرئاسة الأمريكية، فى هذه اللحظة بدأ التحالف التاريخى بين السى آى إيه
والفاتيكان ..
الثانى: عندما تجاهله
الرئيس جورج بوش طوال حرب الخليج الثانية وفى هذه المرحلة بدأ يبحث عن دور جديد ..
الثالث : عندما قال
كبير الأساقفة فى بروكسل : البابا يريد زيارتنا ولكننا لا نريده .. وكان ذلك
تعبيراً حقيقياً عن نهاية الرجل !!.
خلال المشاهد الثلاثة
تحول البابا يوحنا بولس الثانى من بطل للحريات وحقوق الإنسان إلى شخصية لا تطاق
..!!
كتاب
"قداسته" يروى المشاهد الثلاثة : بالوقائع والتفاصيل والحكايات والوثائق
والحوارات والرصد والتحليل ..
وضع الكتاب كارل
برنشتين شريك بوب وود فى كتاب " كل رجال الرئيس " الذى كشف عن فضيحة
"ووترجيت" . وأدى إلى إستقالة الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون وحصل
الكاتبان بسببه على جائزة " بوليتزر" التى تمنح لأحسن الأعمال الصحفية .
وشاركه فى تأليف
"قداسته" ماركو بوليتى وهو صحفى تخصص فى تغطية النشاط البابوى على
امتداد 19 عاما لحساب صحيفتى " رببليكا " و "مساجيرو "
الإيطاليتين وعاش ست سنوات فى موسكو شغل خلالها منصب رئيس الصحفيين الأجانب.
يوحى الكتاب بكل
المفردات والتفاصيل أن البابا يوحنا بولس الثانى تعاون مع المخابرات الأمريكية
إبتداء من وصول ريجان إلى السلطة فى 20 يناير 1981 وحتى سقوط الاتحاد السوفيتى .
بعد ذلك بدأ الخريف
ولامست برودة الشتاء قنوات الاتصال بين الطرفين، واصاب علاقتهما قدر من الفتور
والاهمال ثم انتقلت إلى الخصام والاتهامات المبطنة وغير الصريحة ..
ويختار المؤلفان بدقة
وذكاء المشهد الأول الذى اقنع المخابرات الأمريكية بضرورة الرهان على قداسته ..
كان ذلك 2 يونيو 1979
: يوم نادر فى حياة العاصمة البولندية وارسو . الشمس ساطعة . مضيئة. مشرقة . تزغرد
بالفرحة . والنشوة طاغية . تسكن أرواح البولنديين على اتساع الوجه والقسمات
والاطراف والقلوب والمشاعر الظاهرة والباطنة.
حتى قيادة الحزب
الشيوعى البولندى مستهم المشاعر غير العادية بحذر واصابنهم بالتوتر والقلق، إنهم
بالتأكيد فرحون باستقبال واحد من أبناء بولندا الذى تولى منذ عام واحد اعلى منصب
فى الكنيسة الكاثوليكية واضفى على بلادهم شهرة مدوية وشحنة عالية من الاحترام .
لكن هذا المنصب ذاته
ينازعهم السلطة ويعزز من مقاومة الكنيسة البولندية ضد الشيوعية والشيوعيين.
جدران المطار شاركت
الجماهير فرحتهم، غطيت بكل الألوان والزهور أعلام بكل الدرجات اللونية باستثناء
الشيوعى الأحمر وعبارات التحية والترحيب :"بابن بولندا".
"قداسة البابا
راعى الكنيسة " . " مقيم الصلوات " . " الأب الذى يحمل
البشارة والهداية " . " روح بولندا وزهرة الأمة المتفتحة دوماً".
كانت بعض العبارات
توحى بأن السماء اختارته لبولندا وشعبها وحدهما، تجسد الاثنان فى كيان واحد لا أحد
يعلم بالضبط ما هو ولا أحد يتنبأ بمستقبله ..
وبمجرد أن لامست
طائرة البابا أرض المطار حتى دقت الأجراس كل أجراس بولندا من وارسو إلى سيلزيا .
ومن بحر البلطيق إلى جبال تارا وترددت الأجراس عبر الحدود إلى روسيا والمانيا
وتشيكوسلوفاكيا وكل البحار الشيوعية المحيطة..
واصطف البولنديون
بالآلاف على جانبى الطريق بين المطار وكاتدرائية القديس جون ينشدون الأغنية
القومية القديمة : " اسعدى يا أمنا بولندا " ..Gaude
Mater Polonia .
ترقرقت الدموع فى
حدقتى البابا وهو رجل لا يعرف البكاء لم يبك إلا مرة واحدة عندما توفى والده منذ
35 عاماً تحت وطأة الفقر والحرمان الذى لحق به وببلاده بسبب الحرب العالمية
الثانية والإحتلال النازى.
ثم تدفقت الدموع
بغزارة وهو يصلى من أجل البولنديين الذين ينشدون الأغنيات المقدسة ..
فى هذه اللحظة كان
رونالد ريجان يتابع المشاهد عبر التليفزيون فى مدينة سانت بربارا بولاية
كاليفورنيا لم تكن شبكة "سى إن إن" قد ظهرت بعد لتنقل الحدث لحظة بلحظة
بل كان هناك بث متقطع تذيعه الشبكات القومية الأمريكية الثلاث.
كان بجواره ريتشارد
ألان الذى عين فيما بعد مستشاراً للأمن القومى كلاهما خارج السلطة لكن ريجان كان
يسعى للفوز بترشيح الحزب الجمهورى لمنافسة الرئيس جيمى كارتر وكانت فرص المرشح
الجمهورى محدودة بل معدومة بعد أن حقق كارتر انتصاراً هائلا فى الشرق الأوسط عندما
نجح فى توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ...
لكن المرشح الطموح
أشار إلى البابا والدموع تتدفق من عينيه وقال : هذا الرجل حليفى، نعم حليفى يا
ألان .. !!
زيارة البابا استمرت
أربعة أيام لكنها لم تنته أبدا، ظل مقيما فى بولندا من خلال الكنيسة الكاثوليكية
بجسده وروحه وكلماته وبركاته أصبحت الكنيسة بعد زيارته قوة رئيسية فى توجيه
الأحداث حتى سقط النظام الشيوعى عام 1988 أى قبل إنهيار حائط برلين بعام كامل ..
مضاعفات الزيارة لم
يتنبأ بها احد ولم يقدرها المراقبون على نحو صحيح، هزت بولندا من الأعماق منذ
اللحظة الأولى ومستها بأرواح الشهداء وشحنتها بالشجاعة والإرادة والصلابة إلى حد
أن واحداً من صناع النظام الشيوعى وحماته – الجنرال يروزلسكى – انقلب على
أيدلوجيته ليصبح من أنصار بولندا الجديدة : الكيان الذى لم يتحدد هويته بعد .
وبولندا بالنسبة
للشيوعيين ليست مجرد عضو فى المنظومة الشيوعية . بل هى رمز للكتلة الشرقية وعاصمة
لحلف وارسو ومقر لأمانة الحلف واسراره وقيادته..
لكن وراسو كانت دائمة
التمرد، تمردت عام 1956 وسحقها السوفييت بضراوة بالغة وتمردت عام 1970 وعاد
السوفيت إلى سحقها بوحشية وتمردت عام 1976 ولم يتمكنوا منها هذه المرة نجحوا فى
تفريق المظاهرات ووقف الإضرابات فى جيدانسك : مركز صناعة السفن لكنهم عجزوا عن
استئصال عناصر التمرد أو اطفاء شحنات الكراهية أو الرغبة العارمة فى التخلص من
الشيوعيين.
فى هذا التمرد ظهر
ليش فاونسا كزعيم يطالب بإنشاء نقابة عمالية مستقلة . غير فاسدة . وغير مرتشية .
وغير تابعة للدولة.
ويطالب بحقوق العمال
وإصلاح الورش الصناعية حتى يتمكن العمال من العمل.
كانت الدعوة مقبولة
جزئيا فالقطاع العام كان فاسدا بالقدر الذى يلحق الضرر بأرزاق البولنديين وحياتهم
اليومية .. لكن الحكومة قاومت ببسالة رغبة العمال فى إنشاء نقابة مستقلة .
اخمد تمرد 1976 مؤقتا
واستمرت النار تحت الرماد وتحول فاونسا إلى أسطورة صغيرة تتردد أصداؤها فى الخفاء
والسراديب والهمس والإيماءات الصامته .
واشتعل الرماد من
جديد عندما وطئت اقدام البابا أرض بولندا وتحول الرماد إلى حريق غير قابل للإطفاء
..
هكذا أدرك رونالد ريجان
الموقف بتلقائية شديدة 0 واومئ الي ريتشارد ألان:" من هناك سنبدأ الهجوم
الأخير ضد السوفييت".
واستقرت خطة الهجوم بالفعل بعد عشرة ايام فقط من
وصول ريجان الي البيت الأبيض ففى الثلاثين من يناير 1981 وصل سرا إلى الفاتيكان
اثنان من الادارة الجديدة : ويليام جيسى رئيس المخابرات الأمريكية وريتشارد ألان
مستشار الأمن القومى اجتمعا إلى البابا ساعات طويلة وبدأ التعاون بعد ذلك على كل
المستويات كانت التعليمات واضحة: على المخابرات أن تزود البابا بكل المعلومات
والخطط التى يجرى تنفيذها أو الإعداد لها لتقويض النظام السوفيتى والنظم المناهضة
لحقوق الإنسان. نعم كانت قضية حقوق الإنسان واحدة من الاسلحة الفتاكة التى
استخدمتها أمريكا ضد الشيوعية وضد النظم العسكرية فى أمريكا اللاتينية..
المعلومات مش كفاية
..
ولهذا اضيفت تعليمات
أخرى : بتزويد مكتب البابا فى كاتدرائية سانت بطرس بأحدث التجهيزات المخابرتية حتى
يتعرف بدقة على ما يجرى فى العالم ويتخذ قرارته فى ضوء ما يراه من تطورات.
ولم يجد البابا غضاضة
فى قبول الاتفاق لأنه يسعى إلى نفس الهدف فالكاثوليكية ضد الشيوعية والمخابرات
الأمريكية ضد الشيوعية لماذا لا يتعاون الطرفان لتحقيق الهدف المشترك ... !!
الاتفاق فتح شهية
البابا لتعزيز دور الكنيسة الكاثوليكية واسترداد سلطتها الزمنية إلى جانب سلطتها
الروحية وتحولت الكنيسة بالفعل إلى قناة سرية لإمداد المعارضين فى بولندا بالاموال
والتجهيزات والكتب والمنشورات والمعلومات والتدريب وبدأ الاعداد لقنوات أخرى عبر
الكنيسة فى اتجاه نيكارجوا وتشيلى والارجنتين ونحو الكنائس الأخرى فى المجر
وتشيكوسلوفاكيا وغيرها.
وفى منتصف 1981 بدأت
الاضطرابات من جديد فى جيدانسك وامتدت سريعا إلى عدد من المدن الصناعية، كانت
البلاد تئن تحت وطأة الديون الخارجية والفساد وانخفاض مستوى المعيشة وتوقف آلة
الانتاج وعجز المصانع عن العمل وانخفاض الاداء على كل المستويات.
وواجه إدوارد جيرك
زعيم بولندا آنذاك الموقف بهدوء، لم يطلب من الجيش أو الشرطة مقاومة المضربين بل
حاول علاج الموقف على نحو سلمى كما أن وزير دفاعه الجنرال جيروزلسكى كان غير راغب
فى استخدام القوة.
واتخذت الاضطرابات
طابعا جديدا هذه المرة ،كانت فى المرات السابقة غير منظمة تشتعل فى معظم المواقع
دون تنسيق بين القيادات وسرعان ما يجرى إطفاء الحريق باستقطاب بعض القيادات
واعتقال البعض الآخر.
الاضطرابات هذه المرة
بقيادة عليا تسمى "التضامن" يساندها جبهة شعبية باسم "لجان الدفاع
عن العمال" وتضم عددا كبيرا من المثقفين والصحفيين وانصار حقوق الإنسان ..
وطبعا اليهود ووقفت الكاتدرائية إلى جانب المتمردين ..
واستمرت الاضطرابات
شهورا طويلة تحول خلالها ليش فاونسا من أسطورة صامته إلى أسطورة مدوية ..
ومارس المتمردون
تكتيك " إستنزاف قوى الدولة " ..
بدأت مطالبهم بزيادة
الأجور وتحسين اوضاع العمل وتطورت إلى المطالبة بالإعتراف بنقابة التضامن المستقلة
وتصاعدت إلى المطالبة بعقد انتخابات حرة وبمجرد أن تقبل السلطات واحداً من المطالب
ترتفع مطالب جديدة.
وتابع الاتحاد
السوفيتى الموقف بغضب شديد. كان برجنيف يصرخ فى كل اجتماعات المكتب السياسى : كيف
يتصرف جيرك بهذا الحمق والجبن؟ لابد من إزاحته واستبداله بقيادة قوية تنهى التمرد
وتعيد النظام إلى البلاد .
وينشر مؤلفا الكتاب
مجموعة من محاضر اجتماعات المكتب السياسى وكلها تعكس المخاوف على مصير بولندا بل
والمخاوف على مصير منظومة الشيوعية وتحدد أهداف السوفييت بوضوح فى هذه المرحلة :
انهاء التمرد واعلان الاحكام العرفية.
وامتد الخوف والغضب
إلى جانوس كادار زعيم المجر وإيريك هونيكر زعيم المانيا الشرقية وجوستاف هوزاك
زعيم تشيكوسلوفاكيا ووضع الثلاثة خططا لاحتلال بولندا إذا لم يتدخل الجيش الروسى
..
لم تكن مطالب
السوفييت كافية لهؤلاء الزعماء فماذا تفعل الأحكام العرفية فى شعب دائم التمرد؟
لكن المتمردين
الأذكياء كانوا يدركون جيداً دوافع السوفييت، لهذا لم تتضمن مطالبهم إشارة إلى
الخلاص من النظام الشيوعى بل كانت شعاراتهم توحى بأنهم شيوعيون اكثر من ماركس
ولينين وانهم حريصون على النظام أكثر من حرص موسكو ذاتها .
وساهم البابا فى
تهدئة السوفييت ..
كان دائم التواصل مع
موسكو من خلال المبعوثين والرسائل الشخصية يستحلفهم بالسماء فى كل مرة : عدم
استخدام القوة، والرهان على التسامح وضبط النفس وإياكم وتكرار فضيحة "غزو
براج" كما حدث عام 1968 ستطاردكم البشرية باللعنات ...
لكن السوفيت لم
يهدأوا أبداً .. كانوا مرعوبين بعد أن تجمعت المخاطر دفعة واحدة وأكثرها خطورة
الثورة الإسلامية التى اندلعت فى طهران
وأسقطت النظام الشاهنشاهى وجاءت بنظام آية الله الخومينى .
الخطر الإسلامى امتد إلى افغانستان حيث اشتعلت
المواجهة بين الجيش الأحمر والمجاهدين وربما يمتد إلى الجمهوريات الإسلامية فى
آسيا الوسطى.
وفى بولندا ذاتها
اضطر إدوارد جيرك إلى التفاوض المباشر مع ممثلى العمال وتمكن ليش فاونسا من الحصول
على اعتراف بمنظمة التضامن ..
وهكذا تجمعت فى
بولندا قوتان ضاربتان ضد النظام : الكنيسة الكاثوليكية والتضامن.
واضطرت موسكو إلى
ازاحة إدوارد جيرك وتعيين جيروزلسكى وحثته على اعلان الاحكام العرفية وسحب
الاعتراف بالتضامن لكنه تهرب من التنفيذ..
ويروى الكاتبان مشهدا
مرعبا فى حياة جيروزلسكى فى نهايات 1983 ...
بدأت الاحداث بعد
منتصف الليل بقليل، وصلت إلى وارسو ثلاث سيارات مصفحة واتجهت إلى القصر الجمهورى
وطلبوا الاجتماع بالجنرال على الفور. كانوا يحملون معهم رسالة عاجلة تستدعيه
للمثول أمام المكتب السياسى فى موسكو.
وأدرك جيروزلسكى أنه
فى الطريق إلى النهاية تناول الهاتف وتحادث مع أحد الجنرالات المقربين له قال :
أرجو أن ترعى زوجتى وأبنتى فىغيابى ولم يفصح بأكثر من هذه الكلمات القصيرة
والمبتورة.
وصلت السيارات إلى
موسكو فى اليوم التالى لكنها لم تتوجه إلى الميدان الأحمر حيث يقع الكرملين ويجتمع
المكتب السياسى بل سار الموكب القصير إلى خارج العاصمة وتوقف عند مبنى اسود كئيب..
مقر المخابرات السوفيتية " كى جى بى " حيث تجرى الإعدامات فى صمت ...
نزل الركاب واصطحبوا
جيروزلسكى إلى مكتب اندروبوف رئيس المخابرات آنذاك ورئيس الاتحاد السوفيتى بعد
وفاة برجنيف ...
كانت الرسالة قصيرة
وواضحة : عليك بإخماد التمرد فورا وحل منظمة التضامن واعلان الاحكام العرفية مهما
كانت النتائج ..
وعاد الجنرال لينفذ
التعليمات دون تردد ..
واختار الوقت الملائم
لإعلان القرارت الساعة الثانية عشرة من ليلة الأحد حيث تختفى الحركة فى شوارع
المدينة بسبب العطلة الاسبوعية وفى نفس اللحظة كانت قوات الجيش تحتل المواقع
الرئيسية فى وارسو وجيدانسك وسليزيا وغيرها من المدن الرئيسية .
وتصورت موسكو أن فى
ذلك نهاية التمرد .
وفى اليوم التالى خرج
المتمردون بأطواق الزهور ليعلقوها فوق صدورالجنود والضباط وتعانق الجميع حول
الدبابات والعربات المصفحة ولم تشهد العاصمة أية حوادث دموية ..
ولم يبق أمام
السوفييت غير التدخل العسكرى المباشر لكنهم عجزوا عن اتخاذ القرار .. وفى عام 1988
اضطرت بولندا إلى قبول المبدأ الذى قلب كل الموازين وكانت بداية النهاية للمنظومة
السوفيتيه مبدأ الانتخابات الحرة برعاية الكنيسة.
وجاءت النتائج كما
كان متوقعا: فازت التضامن بأغلبية المقاعد النيابية وعين ليش فاونسا رئيس للوزراء
..
هكذا لعب البابا
يوحنا بولس الثانى دورا حاسما فى سقوط المنظومة الشيوعية وهو أمر دفع ريجان إلى
إضفاء لقب زعيم القوة العظمى الثالثة فى العالم. إنها قوة عظمى مدججة بالروح
والشهادة والتضحية ..
ويا لها من قوة ..!!
بعد بولندا بدأ يوحنا
بولس الثانى غزواته العظمى ضد النظم الديكتاتورية وكانت البداية فى أمريكا
اللاتينية.
كانت القارة متفجرة
بالانتفاضات الماركسية واليسارية ضد النظم العسكرية التى انتشرت فى كل الدول
والمقاطعات وهى نظم قاهرة وقاتلة وظالمة وفاسدة ونجحت جبهة السانديستا اليسارية فى
اسقاط واحد من هذه النظم المقيتة وفازت بالحكم فى نيكارجوا واصبحت بديلا شعبيا
مقبولا للنظم العسكرية ..
لكن الولايات المتحدة
لم تقبل البديل اليسارى.. وتمكنت من تجنيد الجماعات المناهضة له تحت اسم جبهة
الكونترا وشنت الجبهة هجمات عسكرية موجعة وبدأت فصول الحرب الأهلية المعروفة .
كما نجحت واشنطن فى
تقديم بديل آخر عندما ساعدت بريطانيا على هزيمة الحكام العسكريين فى الأرجنتين
واجبرتهم على تسليم السلطة إلى هيئة مدنية ثم اجراء انتخابات حرة ..
لكن واشنطن لم تنجح
كثيرا فى الترويج للبديل الديمقراطى وكانت تحتاج إلى قوة غير عادية لتسويق البديل
الذى فشل مرات سابقة هكذا تهيأت الساحة مرة أخرى لدور جديد للبابا فالأقطار
اللاتينية تدين بالكاثوليكية يتجمع حولها الولاء الوطنى والمذهبى إلى حد أن الهوية
اللاتينية توازى تماما الكاثوليكية ...
وبدأت الكنيسة فى
نيكارجوا تلعب الدور التمهيدى فهى وسيط بين السانديستا والكونترا وهى القادرة على
اعادة السلام ووقف نزيف الدم والدمار وتعزيز الاستقرار وإدراة عجلة الاقتصاد
الوطنى من جديد.
البابا رسول السلام
..
لماذا لا ندعوه إلى
البلاد ليحل بها البركة . ويستأصل الشيطان ؟
وراقت الفكرة فى عيون
ثوار السانديستا ماذا نخسر لو جاء قداسته إننا واثقون من تأييد الشعب. نحن نعمل من
أجله ونضحى من اجله وندافع عن مصالحه الامبريالية الأمريكية ..
وجاء البابا كان
المشهد دراميا على نحو ما حدث فى وارسو ووافق الجميع على اتفاق سلام واجراء
انتخابات حرة ..
ولعبت ماكينة الدعاية
المخابراتية دورها بنجاح خسرت السانديستا المعركة وفاز انصار الكونترا ومازالت
نيكارجوا دولة فقيرة معدمه.
وكانت الغزوة
الباباوية التالية ضد تشيلى. التجربة هناك مختلفة ويحكمها الجنرال الرهيب بونتشيه
وهو رجل دموى مسكون بالسلطة والقهر ونجح فى تحويل تشيلى من دولة فقيرة إلى دولة
متوسطة الدخل والتقدم. ينعم أهلها بقدر من العدالة والرخاء.
لكن واشنطن لم تعد
تقبل بونتشيه. لم يعد الرجل على مقاس المعايير الأمريكية الجديدة يضاف إلى ذلك أن
الشعب ذاته كان يتوق إلى استرداد نظامه الديمقراطى الذى تمتع به لعقود طويلة قبل
أن يقفز إلى السلطة بونتشيه وجونتته بمساعدة المخابرات الأمريكية عام 1973 ...
وكان للكنيسة
الكاثوليكية دور أيضاً .انحازت بهدوء وسماحة إلى دعاة الديمقراطية والحريات العامة
.
وجاءت غزوة البابا
تجمع التشيليون فى المطار يحملون لافتات تتوسل اليه إعادة السلام والسكينة إلى
القلوب والأمل إلى الأرواح .
وصلوا معه . يا أبانا
فى السماء : انزع الخوف من اعماقنا واطرد الرعب من خيالنا وسلحنا بالشجاعة وافتح
لنا طريق الشهداء وحررنا من العبودية نحن ابناء يسوع المخلصين .
وغادر البابا سنتياجو
واستمرت الكنيسة فى الصلاة حتى وافق بونتشيه على اعلان دستور جديد يقضى بانتخابات
حرة بشرط أن يظل هو بنص الدستور قائدا عاما للقوات المسلحة مدى الحياة.
ورغم أن الجنرال اصبح
طاعنا فى السن إلا إنه مازال القائد الأعلى للقوات المسلحة التشيلية .
وامتدت غزوات البابا
لتشمل الارجنتين والبرازيل ومعظم أمريكا الكاثوليكية وبهذه اغزوات تحول البابا إلى
بطل للحريات وحقوق الإنسان من عبودية النظم والأيدولوجيات والعسكريات ...
لكن هل تمكن قداسته
من الاحتفاظ بدور البطولة ؟
يجيب المؤلفان
برنشتين وبوليتى : لا البابا لم يخسر الدور فقط بل خسر الاحترام أيضاً ..!!
لتأكيد هذه الاحكام
ينتقل المؤلفان إلى استعراض المرحلة التالية من علاقة البابا بالمخابرات الأمريكية
هذه المرحلة بدأت بالتحديد بعد سقوط الإتحاد السوفيتى لم تعد المخابرات فى حاجة
االيه ولهذا توقفت عن الاتصال واهملته وانكشف الاهمال علنا أثناء حرب الخليج
الثانية.
طوال شهور الحرب التى
بدأت بغزو العراق للكويت فى 2 أغسطس 1990 وحتى طرد القوات العراقية لم يجر اتصال
واحد بالبابا وشكل بوش التحالف الدولى دون أن يطلب بركاته.
وتأكد الاهمال، بعد
شهور من الحرب وجهت واشنطن إلى عدد كبير من الدول للمشاركة فى مؤتمر مدريد بهدف
تسوية الصراع فى الشرق الأوسط ولم توجه الدعوة إلى الفاتيكان رغم إنها واحدة من
صناع السلام فى العالم.
وجاء التفسير مقتضبا:
إن اسرائيل اعترضت على وجود الدولة الكاثوليكية لانها لم تعترف بالدولة العبرية
بعد واعترف قداسته مضطرا.
لم يقبل البابا سياسة الاهمال والاستبعاد ،بدأ
من جانبه المعركه الثالثة.. معركة احياء الكاثوليكية الاصلية فى مواجهة القيم
الغربية السائدة : المادية والعلمانية والنفعية والعدمية والاستهلاكية كما بدأ فى
الهجوم بمرارة على العرى والزنا والممارسات الجنسية غير الشرعية والانحلال وهاجم
الفنون الجديدة مرات وكثيرا ما كان يتناول "مادونا" بالنقد والتجريح فهى
رمز العرى والاثم فى هذا العالم ..
كما تقدم كثيرا إلى
عش الزنابير عندما بدأ يهاجم النظم الاقتصادية غير العادلة التى تسمح بكل هذا
الفقر والفاقة والعوز وتسمح أيضاً بكل مظاهر الغطرسة والقوة والبذخ والسفه..
انكم جميعا آثمون
مذنبون فى حق دعوة يسوع إلى السلام والعدالة والتواضع والتسامح ..
والغريب فى الامر كما
يقول المؤلفان : إن نفس المبادىء التى يناجى بها الآن هى ذاتها الأسلحة الثقيلة
التى وجهها إلى المنظومة الشيوعية فهل يقصد بذلك تقويض المجتمعات الغربية؟
ربما.
هل نجح البابا فى
دعوته الجديدة؟
يجيب المؤلفان بالنفى
. الدليل على ذلك أن الكنيسة الكاثوليكية تعانى من انقسام حاد وخطير بسبب القضايا
الفقهية المطروحة مثل الاجهاض والطلاق وترسيم الاناث فى السلك الكهنوتى الاعلى،
البابا له مواقف حادة ومتشددة وهى مواقف مرفوضة من الكنائس الكاثوليكية فى فرنسا
وبلجيكا وايطاليا بل وبولندا ذاتها. ولعل أكثر التعليقات دلالة على الرفض ما قاله
علناً الكاردينال جان شوتيه كبير الأساقفة فى بروكسل :" البابا يريد زيارتنا
لمدة ثلاثة أيام لكن أساقفة بلجيكا لا يريدونه".
وفى تعليق آخر قال
الكاردينال كريستون شونبورن كبير أساقفة فيينا :" إننا نحب البابا لكننا لا
نحب أن نموت من أجله إنه يطالبنا بما لا نستطيع ويمارس قدراً غير معقول من
السلطوية وهذا مرفوض .. !!
ليست هناك تعليقات