شفتاه للأديب إحسان عبد القدوس
شفتاه للأديب إحسان عبد القدوس
أنا مصور فوتوغرافي
..
بدأت هاويا , وانتهيت
محترفا
ولا أدرى متى بدأت
هوايتي ... بل أنى لا أذكر يوم من
عمري لم احمل فيه بين
يدي آلة تصوير ...ا
فقط كان والدي من
هواه التصوير أيضا ,وكنت و أنا صغير أجرى
لأخطف آلة التصوير ,وأضمها إلى صدري فرحا ضاحكا كأني أضم كل ما في الدنيا ...
وكنت إذا بكيت لا أسكت ألا إذا جاءت لي والدتي بآله التصوير .. و إذا أرادوا إن يسقوني
ا(شربه )أو دواء مر ,تحايلوا علي باعطائى أله تصوير ..وعندما أصبحت في العاشرة من
عمري ,ونلت الشهادة الابتدائية ,أهداني والدي اله تصوير...ا
ا كاميره !!!!...ا
من يومها وأنا أرى
الدنيا وأرى الناس ,من خلال
عدسه الكاميرا..ا
لم يكن ما أراه بعيني
يصلح للحكم على الأشياء ..
كان الحكم دائما لعدسه الكاميرا
..أي أنى لو رئيت رجلا بعيني لا أستطيع أن احكم عليه ....لا أستطيع أن أحبه أو
اكرهه..ا
لأستطيع أن احكم على
أخلاقه ...ا
وإنما كل ما يحدث لي أن يثير هذا
الرجل اهتمامي أو لا يثيره ...فإذا أثار اهتمامي صوبت إليه العدسة والتقطت صورته
..ثم أنظر في الصورة , ومن خلالها أستطيع أن احكم عليه
..وأستطيع أن اعرف
أخلاقه ..أستطيع أحبه أو اكره ...ا
وأنت تعرف أن عدسه الكاميرا تعمل بالظبط
نفس الطريقة التي تعمل بها عين الإنسان ..أي أن تركيبها الميكانيكي هوا نفسه التركيب الفسيولوجي لعين
الإنسان ..ورغم ذلك ...ا
فأن هناك فارق بين ما تلتقطه
عين الإنسان , وما تلتقطه عدسه الكاميرا ....فالمنظر الطبيعي الذي يبدو في الصورة
الفوتوغرافية تجده مختلفا عن نفس المنظر إذا وقفت أمامه وتطلعت إليه بعينيك
المجردتين ..إن في الصورة تفاصيل كثيرة لما تلتقطها عيناك ,وفيها تكامل وانسجام لا تستطيع أن
تحس بهما بعينيك ,ولكن عدسه الكاميرا
أحست بهم ...وكذلك وجوه الناس..أن الوجه
الذي تراه عينيك , يختلف عن نفس الوجه إذا التقطته أله التصوير ..فقط ترى عينيك وجه فتاه في غاية الجمال
..ولكنك إذا التقطت صورتها
بالعدسة وجدتها في
الصورة أقل جمالا ..بل قد لا تكون جميله أبدا ..وهذا الاختلاف هو الذي أدى إلى تقسم
وجوه البشر إلى :ا
وجوه (فوتوجنيك
)ووجوه (ليست فوتوجنيك) ..ا
وهذا الخلاف بين عين
الكاميرا وعين الإنسان وقد يبدو ضئيلا بالنسبة للرجل العادي ولكنه بالنسبة لفنان مثلي كبيرا ..
كبيرا جداا!!!..ا
وقد بداء هذا الخلاف يحيرني منذ
مده طويلة....ا
كنت أسئل نفسي: ما
الذى يجعل بعض الوجوه
فتوجنيك والبعض الاخر
ليس فتوجنيك؟؟؟ !!!...
من الناحية العلمية
يستطيع أى
أخصائي في التصوير أن
يقول
لك أن الظلال التي
تلقيها ملامح الوجه هي التي تؤثر
في مدى صلاحيته
للتصوير ..ا
أي قد يكون وجهك جميل
,ولكن الظل الذي يلقيه أنفك
على وجنتيك يجعل وجهك
يبدو في الصورة مسطحا ,فيصبح وجهك ليس فتوجنيكيا!!!...ا
ولكن هذا الكلام
العلمي ليس صحيحا على إطلاقه فقد أجريت مئات التجار على ظلال الوجه , ورغم ذلك ظلت هناك وجوه
فتوجنيك ووجوه غير فتوجونيك حتى لو
تساوت الظلال بينهم
!!!...ا
وجدت نفسي بعد قليل
أتساءل : ا
أيهما أصدق.... عين الإنسان
أم عين الكاميرا !!..
أن كل منهما يرى نفس
الشيء رؤية
مختلفة فأيهما أصدق
فى رؤياه... هل ما نراه بأعيننا هو الحقيقة ,أم ما تراه عين الكاميرا ؟...ا
وحيرني السؤال ....ا
عشت شهورا طويلة
حائرا ....ا
ثم ..وجدت الاكتشاف العلمي
الضخم ....وجدت الجواب ...ا
أن عين الكاميرا أصدق
من عين الإنسان !!...ا
لا تندهش ...ا
ولكن ,أسألني: لماذا
؟؟!!.. ا
والمسألة بسيطة ...ا
أن عين الإنسان تتعرض
لمؤثرات كثيرة ....تتعرض للعاطفة.ا
فأن عواطفك تؤثر في عينيك,
فترى الشخص الذي تكره
دميما والشخص الذي تحبه جميلا ,,ا
وبيت الشعر الذي يقول
:ا
ا(وعين الرضي عن كل عيب
كليلة ولكن عين السخط تبدى
المساويا )ا
ليس مجرد بيت شعر,
أنه نظريه علميه !!ا
كما إن عين الإنسان
تتعرض لمؤثرات الجنس, فالرجل قد يرى المرأه جميله لمجرد أنها أمرأه ,أو لأنه يشتهيها .ا
كما تتعرض لمقتضيات
المصلحة الخاصة كما يصورها
لك العقل ...ا
فإذا كنت محتاجا لرجل
فأنك غالبا ما تراه أنسأن سمحا ينطق وجه بخف الدم في حين انه قد يكون سمج ثقيل الدم و.....و...ا
هذه عين الانسان ... ا
عين لا يمكن أن تكون
صادقه ..لأنها عين ليست منزهه وليست محايدة ,ا
أنما هي عين أثيره بين قلب
الأنسان وعقله ...ا
أثيره ألأهواء !!..ا
ولكن...ا
..عين الكاميرا ليست
كذلك ..ا
أنها عين
نزيه...محايدة ... متحررة من
الأهواء... عين لا
تخضع للعاطفة ,ا
ولا شهوه جنسيه ولا
مصلحه خاصة..ا
أنها عين صادقه ..ا
أن ما تراه الكاميرا
حقيقة قاطعه...ا
وما يراه الإنسان
حقيقة مشكوك فيها..ا
ولكن...ا
هناك سؤال أعمق...
وأخطر!!؟ا
هل الفرق بين ما تراه عين الإنسان , وما
تراه عين الكاميرا هوا مجرد فرق في الشكل ..في المظهر الخارجي...ا
...أى هل كل الفرق ينحصر
في أن الوجه الذي تراه عين الإنسان جميلا قد يبدو في الصورة الفوتوغرافية أٌقل جمالا ...ا
أم هوا فرق في
الحقيقة التي
تختفي خلف الوجه
...حقيقة الشخص نفسه أخلاقه ..طباعه ..نياته
...!!!
وبمعنى أخر ....ا
هل تلتقط الكاميرا
صوره الوجه فقط, أم تلتقط مع الوجه صوره الأخلاق والنيات؟؟ا
سؤال خطير!...ا
لكنى وجدت الجواب...ا
الجواب هوا أن
الكاميرا
تلتقط أيضا صوره
الأعماق...ا
صوره أخلاق كل ما يقف
أمامها... فأنت - أو على
الأصح ,أنا - أستطيع
أن اعرف أخلاق الشخص من صوره الفوتوغرافية... بل أنى لا أطمئن للشخص ألا بعد أن
التقط صورته ,وأدقق فيها لأعرف أخلاقه ونياته!!..ا
وكثير... كثيرا جدا ... يحدث
ان تلتقي بشخص وترتاح إليه وتطمئن لنياته ولكنك إذا التقطت صورته ودققت النظر
فيها وجدت ملامحه
تنطق بالخبث, والجشع,
وسؤ النيه ..وعليك فى
هذه الحاله أن تصدق
عين الكاميرا ولا تصدق عينيك , لأن عين الإنسان –كما قلت لك –مشكوك في صدقهما
-...ا وأصبحت هذه نظريتي في الحياة....ا
أرى الناس والأشياء
من خلال عدسه الكاميرا ,
واحكم على الناس والأشياء كما تحكم عليهم الكاميرا ... حتى أنى قررت يوما أن
أشترى سيارة مستعمله وكان صاحبه يبدو صادقا طيبا حسن النية ولكني رغم احساسى بصدقه
وطيبته صممت قبل إن اشترى السيارة على أن ألتقط له صوره .. ودققت النظر فى الصوره, فأذ
به يبدو خبيثا, كاذبا, سيء النية ... كان وجه طبعا (ليس فتوجنيك ).....ا
ولم أشترى السيارة...
وحمدت الله لأني لم أشترها فقد أشترها صديق لي وتبن له بعد أن اشتراها إن (الأكس) مكسور
وملحوم ...وضاع عليه الثمن الذي
دفعه !!..ا
وكنت سعيد بأكتشافى
...ا
وكنت أثير في الحياة
وفى يدي عدسه سحريه
تطلعني على خبايا
النفوس ...ا
عدسه الكاميرا!!..ا
إلى أن التقيت بسعاد..ا
رأيت سعاد من النظرة
الأولى ..جميله ..رائعة
وجهها ينم عن البراءة ...وعينها تشعان بذكاء
طيب هاديء..ا
وابتسامتها تطرق قلبك
بحنان غريب...ا
وشعرها منسدل على
كتفيها في راحة, كأنه منذ ولدت نائم فى مكانه لم يوقظه احد.ا
رأيتها كما أرى حلم
عشت فيه عمري كله...ا
لم تسنح لي فرصه لتصويرها لأسابيع
طويلة
ولكني لم أكن في حاجه
إلى تصويرها... كانت صورتها تزداد
وضوحا في عيني يوما
بعد يوم ...وحديثها الشائق يقودني إلى أعماقها... أعماق من النور .....ا
...نور ومن تحته نور
....ا
وأحببتها ...ا
أحببتها الى حد أنى كنت أنسى الكاميرا
وأنا بجانبها ...نعم ...إلى هذا الحد أحببتها..ا
...ثم ..ا
التقطت لها صوره
...بعين الكاميرا ...لم التقط صورتها لأني كنت أريد أن اعرفها أكثر ...لاء ...فكنت واثق من أنى لست في
حاجه لأعرفها أكثر ...ا
.وذهبت لمعملي وحمضت الصورة
, ثم أضاءت النور ونظرت إليها
وانا مطمئن النفس
...واثق من
النتيجه ..ا
ولكن ..ا
أنها ليست فتوجنيك
!!..ا
أن وجهها يبدو مسطحا ..باهتا ...وابتسامتها
تبدو مفتعله ..وفى عينها خبث ..ا
وبشرتها تبدو خشنه وكأنها بشره فتاه
أنهكتها التجارب
لا ..لا يمكن ...لابد
أن شيء حدث وأنا ألتقط
لها هذه الصورة ..!!؟؟
التقطت لها صوره أخرى
..وثانيه ...وثالثه .. وعشرات الصور
..ا
في أوضاع مختلفة ..
من زوايا مختلفة... وعكست عليها النور من جميع الجهات..ا
وصورتها دون أن تدرى
.. وصورتها وهى تدرى ...و...ا
والنتيجة واحده..ا
أنها ليست فوتوجنيك
..ا
أن عين الكاميرا لا
تريد أن ترحمها ..ا
عين الكاميرا لا تريد
أن تكذب..ا
ولكن من قال أن عين
الكاميرا أصدق من
عين الإنسان؟؟!!ا
ما هذه النظريه
السخيفه التى ابتكرتها ,أمنت بها !!.ا
كيف اجعل هذه الإله
الصماء -الكاميرا - تتحكم في منطقي وفى حكمي على الأشياء والناس, ثم أتركها تتحكم الأن فى
عواطفى ....ا
لاء....ا
هذه نظريه جوفاء..ا
هذه سخافة..ا
أنى أحب سعاد...
والحب هوا الحقيقة الحب هوا الصدق الحب هوا حياتي ّّّّ...!!!ا
هجرت الكاميرا
...تركتها ...لم اعد أرى الدنيا من خلال عدستها بل لما اعد ألتقط بها صورا... تركت التصوير
الفوتوغرافي كل ما فعللته قبل إن اهجر الكاميرا والتصوير هوا أنى جئت بأحدي صور سعاد ,
وأجريت عليه بيدي رتوش كثيرة حتى
بدت جميله ...جميله
جداا..ا
وأهديتها الصورة ذات
الرتوش...ا
الصورة المزورة ...ا
ثم تزوجتها...ا
********
أتدرى ماذا حدث ؟؟ا
بعد سنه طلقت
سعاد...ا
لقد كانت عين
الكاميرا ,أصدق من عين
الأنسان...ا
وعدت الى الكاميرا
...ا
نعيما أيها
المجانين
أنا حلاق..وكثيرون لا
يزالون يعتقدون أنى مجنون , ويرفضون أن أحلق لهم رؤوسهم أو ذقونهم ولا بأس إذا اعترفت
لكم الآن ..فقد كنت مجنونا فعلا.. ا
كنت مريضا بما يسمى (المجالومانيا )أي جنون العظمة ...ا
وقد أشتد بي المرض يوما حتى خيل
ألي أنى نبي مرسل من الله ...,ا
وكانت وسيلتي للهداية
البشر هي أن أضربهم على
أقفيتهم
وظللت أضرب الناس على
أقفيتهم
حتى حملوني إلى مستشفى العباسيه
...مستشفى المجانين ...وقضيت هناك 3أشهر ا...ثم خرجت ...ولم أكن قد شفيت ...كل ما هنالك
أنى دخلت المستشفى مجنونا خطرا وخرجت منه مجنونا هادئا
..ا
ولكني الآن شفيت ..ا
شفيت تماما ...ا
و أأكد لكم أنى لم
أعد مجنونا ...لا مجنونا خطرا ولا
مجنونا هادئا ...شفيت
وليس لطبيب فضل في
شفائي ...كما لم
تشفني معجزه ولم
يشفني عاقل ...ا
أنما عالجني وشفينى
مجنون مثلي !!!...ا
وأسمعو القصة .ا
أنها قصه أن لم تهمكم
فقط تسليكم ..ا
ولكنها قطعا تهم أطباء الأعصاب
وأطباء النفس ,فهي تنتهي ألي وضع نظريه جديدة في معالجه المجانين , يستطيع اى طبيب أن
يبحثها ويضعها في صيغه علمه ...ا
ثم ينسبها إلى نفسه
...ولن أنازعه حقه فيها ,ولن
أدعى فضلا لنفسي
ولقد خرجت من
المستشفى وعدت أزاول مهنتي
في الدكان الذي
تعودت أن اعمل فيه
وكنت –كما قلت –قد أصبحت مجنونا
هادئا .. كنت لازلت مريضا
بجنون العظمة...كنت أعلق فوق
المرءاه التي أعمل
أمامها يا فطه
كبير كتبت عليها
ا(أرفع رأسك للحلاق
,وأحن رأسك للحلاق )ا...ا
كنت أعامل الزبائن
على أنهم أقزام ... وأحيانا أعاملهم على أنهم ميكروبات ولكن هذا الإحساس
لم يكن بأثر في صنعتي
وفني فقط كنت ولازلت أمهر
حلاق
في جمهورية مصر
العربية ...ا
المجانين كباقية
المرضى بأنواع المرض
المختلفة –تجدهم
يعرف بعضهم
البعض-...وينجذب بعضهم إلى بعض ويسمع كل
منهم أخبار الآخرين
ويتتبعها..إذا أصيب واحد منهم بالذبحة الصدرية -مثلا-ا فسيكتشف فاجأه أن هناك ألاف غيره
مصابون بذبحة صدريه وسيسمع عنهم ويأتيهم أخبارهم وأخبار العلاج الذي يتناولونه
...وكذلك مرضى السكر .. ومرضى القرحة ا...وكما يعرف أبناء المهنة الواحدة بعضهم البعض
,فكذلك يعرف أبناء المرض الواحد بعضهم البعض ..أن المريض عندما يصاب بمرضه يجد نفسه
يدخل عالم خاصا كل من فيه مريض بنفس المرض...وكذلك المجانين !!!...ا
وقد كان من بين
زبائني كثيرا من المجانين ,يجذبهم إلى وحده المرض
وحده الجنون ....
وكنت أرى منهم تصرفات عجيبة ...كان من بينهم واحد يصر على أن يخلع حذائه عندما
أحلق له رأسه ...وكان زميلي في الجنون ,الأستاذ عصمت فخري , يصر على أن أحلق له شعره
كل يوم وأحيانا مرتين في اليوم
لأن صوت المقص وهوا
يتحرك بجانب أذنه يريح
أعصابه ...ا
كثير من المجانين لم
تكن تصرفاتهم تثيرني أو تدهشني
فنحن المجانين نستطيع
دائما أن يفهم بعضنا البعض
الأطفال ....أن الطفل
أقدر على
فهم وتقبل تصرفات طفل
أخر من الرجل الكبير إلى أن كان يوم ...وقفت سيارة فخمه أمام باب المحل ...ونزل
سائق ورأيته
يهمس في أذن صاحب
المحل طويلا ... ورأيت صاحب
المحل تعلو وجه
علامات الحيرة ثم طلب منى فصوت مرتعش أن اذهب مع السائق لأحلق شعر (حماده) بيه
نجل المليونير
المعروف ( منصور باشا-سابقا-عبد
العظيم) ...ا
ولم أفهم ساعتها سببا لهذه الحيرة والتردد
الذين كان يعانيها صاحب المحل ا...وحملت حقيبتي الصغيرة ,وذهبت مع السائق ...وأصررت
على أن اجلس في المقعد الخلفي ...وحاول السائق أن يعترض
...ولكني صرخت فيه
..ماذا يظننى هذا التافه ...لولا انه لا يعرفني لصفعته على قفاه ...ا
وتركني التافه اجلس
في المقعد الخلفي وقادني إلى قصر كبير في شارع الهرم
,وأسلمني إلى السفرجى
الذي قادني في أبهاء وممرات صامته حزينة ,حتى وصلنا إلى غرفه بابها مغلق . وأشار
السفرجى إلى البابا المغلق من بعيد وقال :-أتفضل..ا
ونظرت أليه بعيني قويتيا
آمره بان يفتح لي الباب ...ولكن السفرجى تراجع بضع خطوات إلى الوراء وعاد يقول :ا
ا-أتفضل: أتفضل ...ا
ثم تراجع بضع خطوات
أخرى وهو يردد :ا
أتفضل ..أتفضل البيه
جوه...افتح الباب ...ا
ثم تركني وحدي أمام
الباب , وأختفي .هؤلاء الخدم
متى يعرفون واجبهم في خدمه الأسياد ...؟؟؟!!!ا
وتقدمت ,وفتحت الباب ...وأدرت
عيني في الغرفة خافته الضوء..وفاجئه في ركن من الغرفة
....سقطت عيناى على وجه
عجيب ...وجه أصفر لشاب يبدو في العشرين من عمره ...نحيل
.نحيل جدااا....كأنه
على وشك الموت ...وعيناه واسعتان جاحظتان
ا....وشعره كثيف ,خشن فوق رأسه يغطى
أذنيه ,وينزل حتى يغطى جبينه الضيق
ا.. وكل شعره منتصبه
كأنه شعر من السلك ..كأنه
شعر رأس العبد التي تستعمل في تنظيف السقوف وأعلى الجدران ...وما كاد يراني حتى
صرخ ..ا
أمشى أطلع بره
...أطلع بره ...أطلع بره
وصرخت فيه وقد انتفضت
أعصابي حتى سقطت حقيبتي من يدي :ا
ا-أخرس –أنت فاكرني
خدام أبوك
عشان تجيبني وتقلى
اطلع بره ..أنت مش عارف أنا مين؟؟؟..أنا أحسن منك ومن أبوك ..وصرخ ...-حقتلك
-..هموتك ..ألحقونى ...هموت ....الترماى هيدوسنى ..توت توت ...أوعى الطياره
وعدت أصرخ فيه
...وأختلط صراخنا .ا
وأخذت أتقد منه
وعيناى مسلطتان على وجهه ...
ورغبه جامحة تتملكني لصفعه على قفاه ...وسيلتي لهداية البشر ...ا
ورفع أنية زهور
وقذفني بها ..فسقطت حتى قدمي وهوا يصرخ ...أنا أًصرخ
..ا
وكلى تحفظ لأصفعه على
قفاه ...صفعه قويه أنزع بها عنقه من فوق كتفه
... وبداء يتراجع ...
وأنا أتقدم ...ورفع أنية أخرى ليقذفني بها ...وقد ازدادت عيناه اتساعها وجحوظا ,
والذعر يشتد فيها ... ا
وأنا أتقدم ...ا
وهوا يصرخ ..ا
وأنا اصرخ .....ا
أه ...أه ...ا
أخرس يا حشره ...يلعن أبوك...و..و........ا
وفجأة سقطت الأنبه من
يده وأجهش ب البكاء ...وسقط فوق صدري
,قبل أن أرفع يدي
لأصفعه ...وأخذ يبكى كالطفل البريء .... وأنا واقف منتصب القامة كأني أله ا...ومدت
يدي , وبدل من أن اصفعه , مسحت على كتفه كأني امنحه بركتي ..ا
بركه الإله ...و بكا
كثيرا على صدري ...حتى هدا ...وخيل إلى انه على وشك أن ينام
فأزحته من فوق صدري
... وسحبت مقعدا وضعته في وسط الحجرة ...والتقطت حقيبتي ووضعتها على المائدة , وفتحتها ...ا
ثم التفت أليه وقلت
بلهجة أمره وأنا
أشير إلى المقعد :ا
أقعد ...وأزداد
انكماشا في ركن الحجرة ,وهوا يهز رأسه في حركات عصبيه
ا..لا ...لا ..لا لا
لا...ا
وصرخت فيه صرخة قويه
:أقعد ...بقولك
أقعد
وزحف بقدميه حتى جلس
على المقعد وهوا يرتعش...وأمسكت بالمقص
وطقطقت به في الهواء...فقام
مفزوعا وحاول أن يجرى من الغرفة ...ولكني أمسكت به ,وألقيت به في قوه فوق المقعد وأنا
أصرخ في قوه وعظمه
ا :-أجلس- أوعى تتحرك
... وجلس وهوا يبكى ...ا
وهممت أن أقص شعره
...ولكنه مال برأسه للوراء حتى أصبح من المستحيل عليا أن أباشر عملي ,فعدت أصرخ فيه : -لا ياشاطر ...أنت
مسمعتش حكمه النبى سليمان... أرفع
رأسك للحلاق وأحنى
رأسك للحلاق..
وأحنى رأسه صامتا
...ا
وكانت كل قواه قد استنفذت
فأستسلم صامتا , وكف
عن البكاء ...ا
وأخذت أقص له شعره ...
وباب الغرفة مفتوح ...
والخدم يمرون من بعيد , وينظرون إلينا في دهشة...ا
ثم جاء (الباشا) ووقف عند
بابا الغرفة بنظر في دهشة هوا الآخر وطبعا احتقرت الباشا ولم اهتم بالنظر أليه
...وتعمدت أن أطيل في المدة التي يستغرقها قص شعره .. فقد كنت اشعر بالراحة
أشعر بكل عظمتي
...أشعر ب أني نبي ...أكثر من نبي ...أنا اله
..ا
وكان هوا أيضا مرتاحا
,هادئا ..كأنه لن يثور أبدا ...!!ا
وعندما أنتهيب كنت قصصت شعره كله
... وبداء إنسان جميلا قريبا من القلب .ا
وعندما هممت بالانصراف,أمسك بي ,
وصاح وهوا يبكى مره أخرى
:-لا ...لا لا
متسبنيش ...متسبنيش ... نظرت
إليه من عل , وقلت من طرف أنفى
ا :في ناس كتير
عايزنى ... مش أنت بس
وتركته وهوا لا يزال
يبكى ...وعدت إلى الدكان ولم يكد ينقضي ساعتان
, حتى جاءت السيارة
الفاخرة مره ثانيه ونزل السائق يرجوني ويتوسل أليا أن أعود معه مره ثانيه
ثم تقدمني ...وفى هذه
المرة و فتح لي باب السيارة الخلفي..ا
وعدت لأجد حمادة في حاله
هياج شديد , وقد حطم كل ما أستطاع أن يحطمه في الغرفة
... ووالده الباشا واقف
في انتظاري يرجوني أن احلق له شعره مره ثانيه ا...وتكرر نفس المنظر
ا....صرخ ... وقذفني
بمقعد .. وصرخت ...ولعنت أباه ألي أن ارتمى فوق صدري وبكى ...ولأطيل عليكم أن حماده مجنون مثلي
ولكنه مريض (بالرانويا) أي
الإحساس ب ألأتهاض ...وقد أشتد مرضه حتى أصبح مجنونا خطرا , لا تنفع معه ألا الحقن المخدرة , والصدمات
الكهربائيه ,
ورجاني والده أن اترك
المحل وأقيم مع حماده فى القصر .. وقبلت لأني كنت أحس أنى رسول الله لهداية البشر ومنهم حماده ...وقد كان
حماده سببا في استبداد هذا
الإحساس بي ... كنت
أتركه وأنا أحس بأني أستطيع أن أهدى البشر فعلا ...ا
وأثير في الشارع وأنا أهم
في كل خطوه بان أقبض على كل من يصادفني
واحلق له رأسه لأهديه ...ولكن بداء
تطور غريب يحدث لي
تطور في أحساسى
...بداء احساسى بالعظمة
واقتناعي باني رسول
... يتسلل إليه أحساس أخر بمسؤليتى عن حماده ...ثم بداء احساسى بمسؤليتى عنه يشتد
...أصبحت لا أطيق ان افترق عنه ...حتى أنى كنت أنام معه في نفس الغرفة ...وأطمأن
بنفسي على طعامه , وأصحبه في نوباته وأنتظر النوبات التي تنتابه
فأعالجها بنفس
الطريقة التي عرفتها ....أشخط فيه , وألعن أباه ,ألي أن يبكى ويهدا .فأقص له شعره
حتى لو لم يكن قد مره يوم واحد على أخر مره حلقت له فيها شعره ...ا
وشيأ ف شيأا
....أختفي من عقلي هذا الوهم باني اله أو نبي
أو عظيم.. لم عد أحس ألا باني حلاق
وأنى أحب حماده ,وأريد له الشفاء وأساعده عليه ...ا
وحماده أيضا ...بدأت النوبات
التي تنتابه تتباعد ..وأصبح هادئا في معظم الأوقات
طالما كنت بجانبه ...ثم
بدأت أتعمد أن أغيب عنه فترات قصيرة ,وأعود فأجده
لا يزال هادئا . وغبت عنه
يوما كاملا ..قضاه هادئا ,و........ا
لقد شفى حماده أيضا
شفينا نحن
الاثنين....صدقوني ..لقد شوفينا نحن الاثنين ....ا
بماذا يستطيع رجال الطب ان يفسرو
هذه الظاهره ؟؟؟...ا
أنها ظاهره تكشف عن
مبداء جديد في علم
الأمراض العقلية ,
مبداء يقرر
ا(لا ياشفى المجنون
الا مجنون )ا
تماما كما تقول : (لا يفل
الحديد الا الحديد ) ا
ولو رأيتموني
الآن لاعرفتو أنى
عاقل ... عاقل جدااا...وربما
لاحظتم أنى أتكلم كثيرا ...أنى ثرثار
هل تعتبرون هذا نوعا من الجنون
؟؟؟؟!!!ا
أذن فكل الحلاقين
مجانييييييييييين !!!!!!!!!...
القـــــــاع
أنا دكتور في علم الاجتماع...ا
أتدرى ماذا يعنى
هذا؟؟...ا
يعنى أن في رأسي صوره
واضحة لمجتمع
سليم ...فاضل
...متكامل .. ويعنى أيضا أنى أنظر إلى مجتمعنا الذي نعيش فيه ..باحتقار شديد ..ا
أن كل فرد في هذا
المجتمع إنسان ضائع ,شقي ,جاهل بنفسه وبمن حوله ..ا
وكل عائله هي مجموعه
من هؤلاء الأفراد الضائعين الأشقياء الجهلة
...عائله ممزقه ..متكلة
الأخلاق و المباديء...ا
وكل مدينه هي مجموعه
من هذه العائلات الممزقة
المتآكلة ..مدينه تائهة وسط ضباب كثيف من الجهل والانحلال ..الناس في الشوارع تائهون
...والناس جالسون على المقاهي تائهون ..والناس في بيوتهم تائهون ..والذين يعظون الناس
,هم أيضا تائهون ..ا
وأنا وحدي الذي يشعر
بكل الانهيار
في مجتمعنا...فانا
كما قلت لكد
دكتور في علم
الاجتماع ؟؟ا
إن الدكتوراه التي أحملها هي بمثابة
مصباح أسلطه على ما حولي ومن حولي..ا
فأرى ..أرى في صدر كل فرد أمر به , نفسا
منهارة ..وأرفع عيني إلى أي نافذة أرى خلفها عائله منهارة ...ا
ماذا أفعل لهذا
المجتمع المنهار؟..ا
لا يكفى أن أٌقف
قاعات المحاضرات وألقى على
الطلبة فيها من نور مصباحي ...من نور الدكتوراه ..لا يكفى ...خصوصا وأنى أشعر
أحيانا بأن الطلبة والطالبات يبادلوني الاحتقار..ا
أنهم ينظرون إلى شعري
المنكوش فيسخرون منى ,لأنهم لا يرون
الكنز المختفي تحت
هذا الشعر المنكوش .. كنز
المعرفة ..ا
والطالبات المائعات
يتضاحكن ساخرات كلما مررت
بهن ,ربما لان
بنطلوني لا يعجبهم ..
والرجال عندهم ليسو سوى بنطلونات !!.ا
أنهم يبادلوني
الاحتقار ...هذا صحيح ولكنه لا يهم ...
فالإنسان يحتقر
الحمار دون أن يدرى أن الحمار يبادله الاحتقار
..ا
والحمار ليس أنا
..أنا الإنسان ...الإنسان الذي يحمل النور والعلم
.. والدكتوراه !!اا
المهم هوا انه يجب أن
افعل شيئا لهذا المجتمع
المنهار .أن أودى
واجبي نحوه ..ا
والشيء الوحيد الذي
أستطيع فعله ,هو أن
أبنى بنفسي
المجتمع المثالي الذي
أحتفظ بصورته تحت شعري المنكوش ...حتى
اخرج هذه الصورة إلى
الوجود ..ا
ولكي أبنى هذا
المجتمع كان يجب أن أتزوج ,حتى
أكون عائله مثاليه ,
تكون نواه للمجتمع المثالي ,ومثلا لما يجب أن تكون عليه العائلات ...ا
والخطوة الأولى في
الزواج ,هي أن أختار زوجتي ..الزوجة
التي تصلح لأبنى بها
مجتمعا مثاليا ..ا
وبدأت أضع بحثا علميا
عن الشروط التي يجب
توافرها في الزوجة المثالية .داخل المجتمع المثالي ..ا
وكان من بين هذه الشروط :ا
العلم ...ا
فالمجتمع الجديد لا
يمكن أن تبنيه امرأة تجيد الطهي ,ورتق الجوارب,وغسل القمصان والجلابيب .لا ..لا ..لا يكفى هذا ..ا
بل يجب أن تكون امرأة
مثقفه ..,تعينها ثقافتها على
أن تحدد الهدف الذي تسعى إليه..ا
أن تحدد الشك النهائي للمجتمع الذي تساهم
في بنائه ..ثم لا تنس أنى مثقف ...أحمل شهادة الدكتوراه ...ولن تفهمني إلا امرأة
مثقفه ...ولا أطمع
في أن تكون في درجة
ثقافتي ..أنى أعلم إن
هذا مستحيل ... ولكن
على الأقل ,تكون لها واحد على ألف من ثقافتي
....ا
الفضيلة ...ا
وأريدها امرأة فاضلة ..امرأة
لها تجارب ذهنية . ليس لها
تجارب خلقيه أو جسديه
..وهناك
بعض الفلاسفة يعتقدون
إن
المرأة المجربة أقدر
على إسعاد الرجل ..ولكنهم يخطئون
في تحديد
معنى التجربة ...
والتجربة ليس معناها أن تنتقل المراة من رجله إلى رجل بجسدها أو بعواطفها ..ولكن التجربة هنا يجب أن
تقتصر على التجربة الذهنية ...أي
تنتقل بذهنها من فكرة
إلى فكرة , ومن مبدأ اجتماعي إلى مبدأ أخر ..وهكذا
..ا
الصحة ..ا
الصحة هي أعلى مراحل الجمال ....أن
المرأة التي تتميز بالصحة والقوه
هي امرأة جميله
..قادرة
على أنجاب أولاد
أصحاء ..وقادرة على احتمال
مشاق بناء مجتمعها
,وقادرة على إسعاد
زوجها ...وأنا لا
أتصور أن أتزوج امرأة ثم أقضى عمري أصحبها إلى الأطباء لعلاج كبدها وطحالها وعدتها
...وأسلمها لجراح يشوه جسدها ليخرج منه المصران الأعور ...لا ...أريدها صحيحية
سليمة ,ترقص العافية
على وجنتيها ..وقد تقول أن (الصحة ) شرط يشترطه رجل يشترى
جاموسه لا رجل
يبحث عن زوجه ....ولكن كن واقعيا يا
صديقي ..إن الفرق الوحيد بين الجاموسة والمرأة ..أن أحداهما لها العقل...
الجمال ...ا
وأنا أوافقك على أن
جمال الصحة لا
يكفى وحده ...إن هناك
تفاصيل أخرى يجب أن
تتوفر حتى يستكمل الجمال عناصره ..ا
وقد انتهيت من تحديد
هذه التفاصيل أنى أريد زوجتي امرأة طويلة
ا ..مليئة ..ليست سمينه ولكن
مليئة ..وعينها واسعتان ...ا
وفمها مكتنز ..وصدرها
عريض ..و... وتفاصيل كثيرة
استغرقت
من البحث الذي أعدتنه
أربع صفحات فولسكاب !..
مستوى الدخل...ا
هل تظن أنى ابحث عن زوجه
غنية ....صحيح ....أنى أبحث عن زوجه غنية .ا
هل يعنى هذا أنى طماع ..أو أنى مادي
...أبدا ...أنا رجل صاحب مشروع ا...مشروع اجتماعي ضخم.. ..ويجب فيه أن أدبر ميزانيه
هذا المشروع قبل أن
أقدم عليه ....وإذا كنت قد قررت أن أضع كل ما أملكه في المشروع فأن ما املكه لا يكفى ...ا
ويجب أن يساهم معي
شريكي ..ولا تكفى مساهمه
الشريك بمجهوده .بل يساهم بماله أيضا ...أي يجب أن يكون عنده مال ...وقد حددت مستوى دخل
المرأة
التي أتزوجها ..وضعت
حد أعلى ,وحد أدنى ..ا .
الحد الأعلى مائه
فدان لا أكثر والحد الأدنى خمسون فدانا
..لا أقل...
ثم ..
الحب ...ا
نعم ...الحب ...أنه
شرط أساسي !..ا
أن مجتمعنا لا يقوم
على الحب , لا يمكن أن يسمى مجتمعا ...ا
قد تسميه (سوق)....ولكن لا يمكن
أن أسميه مجتمعا ..ثم أنى لا أستطيع أن أثق في أمراءه تتحمل شعري المنكوش
,وبنطلوني المكرمش ,وتتحمل شطحات عبقريتي .وتتحمل معي عبء المهمة الخطيرة في بناء
مجتمع جديد ..إلا إذا أحبتني ..أحبت شعري ,وبنطلوني ,وأمنت بعبقريتي ...ا
و...ا
وشروط أخرى كثيرة
ضمنتها بحثي العلمي عن الزوجة
المثالية
وحملت هذا البحث ودرت
أبحث ....ا
أبحث طويلا...ا
ولم أمل...ا
كنت أجد فتيات تتوافر
فيهن 90 %من هذه الشروط وفتيات تتوافر فيهن 95%من الشروط ...ولكني كنت مصمما على ألا أتنازل عن شرط
واحد ..ولا نصف شرط ا...يجب أن
تكتمل الشروط ..100%
من الشروط !!!ا
ولم تكن المشكلة هي
أن أجد الفتاه التي
ترضى بي زوجا
كما قد يخيل أليك
...أبدا ..أن كل البنات وكل العائلات يرحبون بي
..فأنا أستاذ في
الجامعة ...وأنا دكتور ..وهذا يكفى لتتشرف اى بنت بزواجي ..ولكن المشكلة ..كما قالت
لك ..كانت مشكله استكمال الشروط ...كل الشروط
....ا
وأصبحت في السادسة
والثلاثون من عمري ..ولم أتزوج ....ا
وقد تسألني كيف عشت هذا العمر
الطويل بلا زواج؟ ...ا
ولعلك تقصد أن تسألني
,كيف عشت هذا
العمر بلا أمراءه
؟؟.......ا
كيف احتملت الكبت
....كبت رجولتي ..فحولتي ....أعصابي ..
لا يا صديقي ..أنا لم
أشك الكبت في حياتي ..فأنا أؤمن- ولا تنس أنى عالم اجتماع-ا بان كل إنسان يعانى فائضا من حيوانيته يجب أن يتخلص
منه ,حتى
يريح أعصابه ويجدد
قوته ...تماما كما تتخلص من زيت السيارة القديم لتضع مكانه زيتا جديدا ,ينعش الموتور
,ويحافظ على سلامته.ا
وهناك نوع من النساء متخصص في نزع
هذا الفائض الحيواني ...تماما كما تتخصص طائفة الزبالين في نزع فضلات البيت ...ا
وكل مجتمع من
المجتمعات الحديثة في
حاجه إلى هذا النوع
من النساء حاجته إلى
الزبالين ...فمشاكل المجتمعات الحديثة يتسبب عنها كثيرا من الفضلات ,التي تقضى تخصص بعض
الطوائف في نزعها ...ا
أنها نظريه علميه
محضة...ا
وقد أمنت بهذه
النظرية ,وطبقتها في حياتي
...بل رتبت
ميزانيتي على
أساسها.. ..كنت اخصص من ميزانيتي
خمسه وعشرين قرشا
أعطيها للزبال نظير
أن يخلصني من فضلات
الطعام ,واخصص عشره جنيهات
أعطيها لهذا النوع من
النساء ليخلصني من فضلات رجولتي ...ا
وهكذا عشت ..وهكذا استطعت أن أبحث
عن الزوجة المثالية في هدوء . وترو , ودون عجله ..وفى يدي قائمه الشروط ..ا
ثم ...عرضت على وظيفة
في أحدى البلاد العربية البعيدة ,ا
وقبلتها ....فالمرتب
مغر ....وأنا في حاجه إلى أن أدخر مزيد من المال
,حتى احقق مشروع بناء
المجتمع الجديد ,على مستوى أرقى ...ا
وسافرت .....أن المجتمع هناك
متأخر , متأخر جداا ,,وقد قضيت أسبوعين ,وأنا أدرس حال هذا المجتمع المتأخر....ا
واكتشفت في الأسبوع
الثالث أن ليس في هذا المجتمع .هذه
الطائفة من النساء
الذين يتخصصن في نزع فضلات الرجال...ا
الرجال هناك,لا
يعانون من مشكله الفضلات
..لأنهم يتزوجون بلا شروط ..ولكني لست متزوجا..ا
ولن أتزوج ألا على أساس شروط
تحقق المجتمع المثالي ...ا
واحتملت ..احتملت
قسوة الكبت لأول
مرة ,وتعذبت,كثيرا
,وطال عذابي شهرا ...شهرين ...ثلاثة ...أربعه ...خمسه ...ستة ..ثم لم أعد أطيق ...ّّ!ا
أخذت أجازه من عملي
مدتها أسبوع واحد ,وعدت إلى
القاهرة ...ا
وفى خلال ثلاثة أيام
..كنت متزوجا ...ا
ورجعت بزوجتي إلى مقر عملي ..ا
ولا تسألني عن الشروط
..ا
ليس في زوجتي شرط
واحد من هذه الشروط ..ا
فاني لم أبحث عن زوجة
...ولكني بحثت عن امرأة ..ا
امرأة تنزع فضلات الرجال..ا
*****
الجحــــــــيم
كنت وأنا صغير أجلس مع أمي
وصديقاتها وأسمعنهن يتحدثن
عن بنات أخي التي
بلغن سن الزواج ولم
يتزوجن بعد ...وكان
حديثهن يبدو خطيرا
كأن كل بنت من هؤلاء البنات قد وقعت لها
قصة ...كأنها انتهت
الحياة ..ماتت!!!...ا
وكان في الحي ثلاث
شقيقات لم
يتزوجن ...ورغم أن
كبراهن
لم تكن قد جاوزت
العشرين من عمرها ,ألا إن أمي
وصديقتها كن
يتحدثن عنهن كأنهن
توفين إلى رحمه الله ..وكنت أسمع أمي
تقول وهى تمصمص شفتيها: ا
ء – كبدى عليهم وعلى أمهم
..دى مصيبة ...مصيبة ياخواتى
...وهو فيه مصيبة أكبر
من البنت البايرة ...يقطع البنات
وخلفتهم ...ا
وينشق قلبي الصغير
وأنا أسمع
هذا الكلام ...ا
ويجتاحني شعور جارف
بأني يجب أن أنقذ الشقيقات
الثلاثاء من المصيبة
التي كتبت عليهن ..وأفكر فعلا في إنقاذهن ...ا
ويقودني تفكيري إلى أن أتمنى
لو كنت شابا يصلح للزواج ..ا
لتزوجتهن...لتزوجت
الشقيقات
الثلاث ...الثلاث مرة
واحدة ...ا
بل لتزوجت بنات الحي
ألاتى فاتهن سن الزواج ..حتى أعيدهن
إلى الحياة!!!...ا
وظل هذا الشعور يملأ
قلبي دائما ,وكلما
قابلت بنتا كبيرة لم
تتزوج بعد ,أحسست
نحوها بحنان غريب لعله شفقة ..شفقة
قوية ...تكاد تدفعني
إلى البكاء .ا
إلى أن بلغت السادسة
عشر من عمري ...ا
وجاءت (روحية) وسكنت
في الحي ,في البيت الملاصق لبيتنا ...ا
وكانت (روحية) وقتها في
الرابعة عشرة ..تصغرني بعامين ..ا
وليست جميلة ...ليست جميلة
أبدا ..أنفها ضخم ..ا
وشفتاها جافتان
...وعينها مفعصتان ..تضع فوقها نظارة
طبية سميكة ..وبشرتها
من لون الطين الأزرق..وشعرها أكرت
وعظامها بارزة من كل
قطعة في وجهها وجسدها ..ا
أنى أشعر بقسوة وأنا
أصفها ...ا
أنها قسوة فعلا
..ولكنها الحقيقة ...ا
وقد شعرت بقلبي ينشق عندما رأيت
(روحية) لأول مرة..ا
ما ذنبها يا ربى
؟...ما ذنبها لتحرمها من
الجمال ..لترسم
غضبك على وجهها ...ا
وسمعت أمي تتحدث عن
(روحية) وتمصمص
شفتيها قائلة : ا
ء –ودي مين يتجوزها
ياختى ..مش ممكن ..حقها من
دلوقتى تعمل حسابها
...تكمل تعليمها وتشتغل ...كبدي عليها
وعلى أمها .....ا
وازداد شق قلبى
اتساعا ..ا
ووجدت نفسي أهتم
بروحية اهتماما غريبا ..كنت
أنتظرها كل
يوم بعد أن أعود من
المدرسة إلى أن تنزل الشارع
لتلعب مع بنات
الحي وصبيانه
,فألازمها في لعبها ...ثم أصبحا –هي وأنا –ا
لا نلعب مع البنات
والصبيان ,بل ننزوي معا ..وأجلس أليها
وأحدثها وتحدثني ...ا
وكانت (روحية )نفورة
,قاسية في كلماتها ,قاسية حتى في
الطريقة التي تعبر بها عن فرحتها
بي ...كانت تقرصني مثلا في
ذراعي كلما أرادت أن
تدللني ..قرصة قاسية من أصابع
جافة
تؤلمني ..ولكني كنت
أحتمل نفورها وقسوتها .وأحاول أن
أقنعها
أن نفورها تدلل
,وقسوتها نوع من خفة الدم ...وكنت أحتمل
أيضا قبحها ..كنت لا انظر أليها في
وجهها ,لأني كنت أخشى أن
نظرت إلى وجهها أن
يبدو على
الجزع ,أو لا أستطيع
أن أظل
محتفظا بمظهر الإعجاب
بها ..تماما كما تتعمد ألا
تنظر إلى
شخص أعور في عينيه
العوراء ,حتى لا تشعره بعاهته..ولذلك
تعودت أن انظر أليها ,دون أن
تتوقف عيناى على وجهها مجرد
نظرات عابرة سريعة ...ا
وأكثر من ذلك ......
ا
لقد كنت جالسا معها
يوما على السلم
المؤدى إلى حديقة
منزلنا , وكانت في
مجلة ,أخذتها منى وبدأت تتصفحها
فلاحظت أنها –لضعف بصرها-
تقرب الصفحات من عينيها إلى
حد أن يلامس انفها
الصفحة ..ثم ..عندما بدأت في اقرأ
معها في
المجلة ,أخذت أقلدها
...أقرب الصفحات من عينيها
إلى
حد أن تلامس أنفى ...
وكانت عيناى تؤلماني وتدمعان وأنا أقرأ بهذه الطريقة
...ولكني احتملت الألم
والدموع ,حتى لا أشعرها بنقصها ,وحتى لا تشعر بأنها وحدها العمشاء ...وزدت على
ذلك ,بأن بدأت أشكو
من ضعف بصري أمامها ,ثم أمام أهلي ...ا
ثم بدأت أطالب أهلي
بان يأخذوني إلى طبيب عيون ليصنع لي
نظارة طبية ...وعند طبيب العيون
كذبت ...ادعيت ضعف البصر
وأصبحت أخطي متعمدا
في العلامات
التي يختبر بها بصري
...ا
وأخيرا أضطر الطبيب
أن يصنع لي النظارة ..وكانت نظارة
تجلب
لي الصداع كلما
وضعتها فوق عيوني ,ولكني كنت أحتملها ,وكنت
أضعها دائما فوق عيني كلما التقيت
(بروحية )..وقد فرحت (روحية)ا
بنظارتي ..فرحت فرحة
كبيرة ...كأني دخلت دنياها
...ا
إلى هذا الحد بلغ
اهتمامي (بروحية) ...ا
وكنت أعتقد أن هذا
الاهتمام سيحل عقدتها ...سيرضيها ...
فانا أبرز صبيان الحي ..أكثرهم وسامة
,وأغناهم عائلة ....ا
واهتمامي بأي فتاه
يضعها على رأس الحي كله ...وربما كان
هذا الاهتمام قد أرضى
(روحية) فعلا ,وحل عقدتها ...ولكني كلما
ازددت اهتماما بها
,ازدادت قسوة على ...قسوة لا مبرر لها ...ا
كانت تضربني أحيانا ...تضربني بغل
كبير ..كأنها تنتقم منى على
اهتمامي بها ...ا
وظللت أحتمل قسوة
(روحية) على ...ومرت سنوات طويلة
حتى أصبح اهتمامي بروحية ,نوعا
من المسؤولية التي تعودتها ..ا
وكنت أحيانا أضيق
بهذه المسؤولية , وأحس
بعبئها ثقيلا على
صدري ...ثقيلا على
أيامي كلها ..وأفكر في
التحرر منها ..ا
من المسؤولية
...ولكني لا أستطيع ...أحس كأنى لو تخليت عن
روحية فكأني أقتلها
...وكأني أطردها من الحياة ..أنها لن تجد أبدا أحد غيري يرعها ويهتم بها ,ويعطيها نصيبا من السعادة ..ا
نصيبا من الحياة ,حتى لا تعيش
عانسا ...ا
بايرة ...وحتى لا
تمصمص أمي شفتيها شفقة عليها ...ا
ومضت خمس سنوات ...ا
ونلت بكالوريوس
التجارة ,واشتغلت في
أحدى الشركات ...ا
وبدأت (روحية )تنظر
إلى كأنها تنتظر منى كلمة ...ا
أنها تريد الزواج ...ا
وترددت ..ا
وظللت مترددا حتى
واجهتني (روحية )بطلب
الزواج صراحة ...ا
وحاولت أن أستمر في
ترددي ...التمست كل الأعذار ..قلت
لها أننا يجب أن ننتظر
حتى يزداد مرتبي ..وقلت لها أن أمي
تخطب لي أبنه عمى
,ويجب أن تنتظر حتى أقنع
أمي بأني لن
أتزوج ابنة عمى
...و...و...ا
ورفضت (روحية ) كل هذه
الأعذار ...رفضتها بقسوة
وخاصمتني ..غابت عنى
.ا
هل حمدت الله لأنها أعفتني من
مسؤوليتها ؟؟...ا
هل احتملت غيبتها عنى
؟؟!!!...ا
لا ...لم أحتمل ...ا
هل أحبها !!!؟...ا
أم هي مجرد عادة
تعودت عليها ,فأصبحت
قطعة من حياتي ؟ا
لأدرى !!...لا أدرى
!!!.....ولكني لم أطق خصامها ولا غيبتها
...ا
وحاولت أن أقاوم
....ا
وقاومت فعلا أسبوعين
,أ, ثلاثة ...ولكني
كنت أشعر بأن
مقاومتي تنهار
...وكنت أعلل انهياري ,بأني مسؤل عن (روحية)
,ا
ولا يجب أن أتخلى
عنها ...وأنى لو تخليت عنها فكأني أ"ردها من الحياة
.....ا
و...ا
وعدت أليها صاغرا
,أطلبها للزواج ...ا
ولطمت أمي على خديها ..وجن أبى
...أنها لا يريانها تصلح
زوجة لي ..هذه
القبيحة ..الشوهاء ..الزرقاء ..العمشاء..ا
بارزه العظام ...ا
وصرخت أمي في حرقة :ا
ء-يابنى فتح وبص لها كويس
..ده عمل واتعمل لك ياحبيبى ...ا
ولكني تحديت أبى وأمي ....ا
تحديت دهشة أهل الحي
كلهم ,وأحاديثهم الساخرة ...ا
وتزوجتها ...ا
وانتقلت ......ا
وانتقلت إلى الجحيم
...ا
منذ اليوم الأول الذي عشت فيه مع (روحية)
في بيت واحد عرفت
الجحيم ..ا
كل شيء حولي قبيح ..هي
..وكلامها القاسي الجارح ...ا
والبيت ..أنها لا
تضحك ألا
نادرا ...ولا ترضى
بشيء ...ولا
تحمد الله على شيء
..دائما شرسة ..دائما ساخطة ..دائما
كشرة ..أنها تضربني
أحيانا ....ا
و.................ا
وحملت (روحية)ا
وانتظرت المولود
بلهفة وشوق ..لعله يخفف من قسوة
ا(روحية) ..لعله يضع بعض الحنان في
قلبها الجاف ..لعل الأمومة تثير فيها بعض الأنوثة ..لعل البيت يبتسم بعد طول
العبوس....ا
وجاء المولود ...
جاء ميتا..ا
ولد مشوها ,ناقص
القلب ...ا
ولم يكن أخر مولود
..لقد حملت روحية بعد
ذلك مرتين ...ا
وفى كل مرة تضع
مولودا مشوها ..وأطولهما عمرا لم
يعيش أكثر من
يومين ...ا
وأنا صابر....ا
صبر أيوب ...ا
أعود إلى (روحية) كل يوم وفى يدي قرطاس
فاكهة ...وأدعو
الله طول الطريق أن
تبتسم لي ...ولو ابتسامة
صغيرة ..ا
ولم تكن (روحية
)تبتسم إلا نادرا ..وتضحك أحيانا في حالات أندر
...ا
أتدرى متى كانت تبتسم
أو تضحك ؟ا
عندما تقع لي مصيبة
..عندما
سقطت مرة في الحمام
وكاد
رأسي أن يتهشم
..وعندما انسكبت القهوة الساخنة على يدي
فأحرقتها ...ا
مثل هذه الحوادث كانت
تثير ابتسامتها وضحكها ..وكانت
تمر أيام أتمنى أن
تقع لي حادثة حتى أراها تبتسم أو تضحك ...ا
كل هذا ,ولم أفكر يوما أن أترك
(روحية) ..أبدا ...كنت
أحس بالجحيم
..وبالعذاب ..بالقبح الذي
يحيط بي ..ولم أفكر
يوما في الطلاق ...ا
ثم ......ا
وبدأت تصرفات( روحية) تتغير بعد
ثلاث سنوات من زواجنا ...ا
وأصبحت تكثر من
الخروج من البيت ..بل أصبحت أحيانا تخرج
في المساء وتعود في
ساعة متأخرة ..في التاسعة ...أو
العاشرة .ا
كنت كلما حاولت أن
اعترض ,صرخت في وجهي ,وأطلقت
على جحيمها ..وتضربني أحيانا !!!ا
وكان يوم ....ا
وشعرت بمغص مفاجيء
وأنا في
مكتبي في الشركة
,فاستأذنت
من رئيسي ,وعدت إلى
البيت ..متعبا ...مصارينى تتلوى
ومعدتي مقبوضة
..وفتحت الباب بمفتاحي الخاص ...ودخلت
بيتي وأنا أكاد أنكفى في خطاي ...ولا
أستطيع حتى أن أصيح
مناديا( روحية.).!ا
واتجهت لغرفة النوم ...ا
وكل ما أريده أن ألقى
بنفسي على السرير ...ا
وكان باب غرفة النوم
مقفلا ..بلا مفتاح ..وفتحته
....ثم
وقفت مذهولا ...ا
رأيت رجلا ...رجلا في
فراشي ,ومعه (روحية) ..زوجتي
..ا
ووقف فاغر فمي
..ونسيت ألم مصارينى ..كل ما أحس
به
هو أن حلقي مسدود كأن
فيه حجرا ..كأني أعانى كابوسا
لأستطيع أن أصرخ خلاله ...ا
وقبل أن أفيق من
الدهشة ...قبل أن أتكلم ..رأيتها تقفز من
فوق الفراش وتصرخ في وجهي
:ا
ء-أيه اللى جابك
دلوقت ؟...أمش أطلع بره ..بره ...بره
وأنا أنظر خلفي أحاول
أن أتعرف على الرجل الراقد في فراشي
وخرجت ...طردتني روحية من بيتي
...!!!ا
وذهبت إلى أمي ,ورويت
لها ما حدث ...وأنا أبكى ..ا
وصرخت أمي :- طلقها
...ا
وأبى يصرخ : - طلقها
...ا
وأختي تصرخ :- طلقها ...ا
وأذناى ليس فيها إلا
كلمة واحدة ..كلمة كبيرة ...ضخمة
مفزعة ...طلقها ...طلقها ...ا
وسقطت مريضا ...ا
وأمي لا تغادر فراشي
كأنها تخاف
على من أن أفر منها
وأعود
إلى (روحية) ..وحتى
بعد أن شفيت كانت أمي لا تتركني
لحظة
وأبى يأخذني كل يوم
إلى الشركة في الصباح ,ويعود ويمر على
حتى لا أعود إلى (روحية.)..ا
أتدرى ماذا حدث بعد
ذلك؟...ا
لقد تزوجت روحية من
عشيقها ....ا
يبدو أنني لست الوحيد
الذي ينشق قلبه عندما يرى
فتاة ليس
لها نصيب في الحياة
النظارة
السحرية
لم تكن لي مشكلة قبل أن أصل سن
الثلاثين ........ ا
كنت إنسانا عاديا ,نلت
دبلوم التجارة ,وعينت في وظيفة
حكومية
ووصلت إلى مرتب معقول
..خمسة وعشرين جنيها في
الشهر ,وكنت أقيم وحدي في
شقة صغيرة بالدور الأعلى من
عمارة كبيرة بميدان
المحطة , وليس لي أطماع ,ولا
أضايق أحدا
ولا يضايقني أحد ,أو
على الأصح ,لا أحس بأحد , ولا يحس بي
أحد ...وكنت أفكر في
الزواج !!....ا
ثم حدث أن جاء زميلي في العمل ,الأستاذ
عبد العظيم عبد المقصود
وهوا يحمل ,في يده
نظارة معظمة كبيرة ...نظارة
كبيرة جدا...ليست
كالنظارة التي يحملها هواة سباق الخيل
ولكنها نظارة حربية مما
يستعملها الظابط في الميدان ..أنها أقرب
إلى سلاح حربي منها
إلى مجرد نظارة ....وهى
بعين واحدة, ا
وتطول وتقصر ,ولها
أرقام خاصة تظبط بها عدستها
ولها حامل
تثبتها عليه ...ا
وبهرتني هذه النظارة
.... ا
لأدرى ما حدث ,ولكني أمسكت بها
,وأحسست أنى أستطيع
أن أكون أسعد إنسان
في العالم لو استطعت
،أن ملكها ...ا
وبداء الأستاذ عبد
العظيم عبد المقصود يشرح لي كيف تعمل
هذه النظارة .ثم
ثبتها أمام الشباك ,وظبط عدستها ,ونظر فيها
ثم صاح : ا
ء- تعالى شوف الست
اللي بتطبخ دي !..... ا
ووضعت عيني على
النظارة وقلت
للأستاذ عبد المقصود
: ا
ء- دى فين الست دى
؟....ا
وأشار الأستاذ عبد
المقصود
إلى عمارة بعيدة في
شارع
الساحة وقال : ا
ء-في العمارة اللي
هناك ..........ا
وازدادت دهشتي ,أننا
ننظر أليها من نافذة الوزارة في
ميدان
لاظوغلى ...أي أن
بيننا وبينها أكثر من أربع محطات ترام ,ورغم ذلك
فأنني أكاد ألمسها
بيدي !!...ا
وعدت أضع عيني على
النظارة ... أنى
أرى المنديل الأخضر
الذي تربط به رأسها , والجلباب الأصفر الملتصق بجسدها ,وأرى الشبشب في قدمها
ا .....أن لون الشبشب
أحمر ..بل أنى أستطيع
أن أرى الطعام الذي تطبخه ...أنها
تطبخ بامية !....ا
ياهوه ....ا
ورفعت عيني عن
النظارة
وأنفاسي مبهورة ,وقلت
لعبد المقصود
بصوت متهدج : ا
ء-تبيعها ؟!!!.........ا
والأستاذ عبد المقصود
رجل صعب ,ظل يتدلل على ,وأنا
أرجوه ,بل أتوسل إليه , إلى أن
قبل أن يبيعني النظارة بعشرة
جنيهات ,أدفعها له
على قسطين ,كل قسط خمسة جنيهات
!!..........ا
وحملت النظارة كأني
أحمل كل حياتي , وذهبت بها إلى غرفتي
في أعلى العمارة
الكبيرة بميدان محطة مصر ,وثبتها على سور الشرفة ,وقضيت بقية اليوم وأنا أحاول أن أظبط
عدستها !!!....ا
يااااه !........ا
أنى أستطيع أن أرى
بها حتى شارع 26 يوليو ..أنى وأنا
أسكن محطة مصر ,أستطيع أن
أرى ما يدور داخل حجرات المحكمة العليا
وما يدور في ملهى سيروس الذي يقع فوق
سينما ريفولى
و.........ا
وأخذت أوجه النظارة
إلى داخل
البيوت التي تحيط بي
,من
خلال نوافذها ! ا
أنى أرى في النظارة
سيدة شابة
وبجانبها رجل يتناول
العشاء
في بيتها ,لعل الرجل
زوجها ...وهى تميل عليه , وتضع
له الطعام
في فمه , ثم تقبله
...وهو يستدير لها ثم يحتضنها بذراعيه
ويبادلها القبل ثم يعود إلى
تناول العشاء ....ا
و...... ا
ما هذا ؟؟!!!!ا
فتاة تخلع ثيابها وتتبعتها
إلى أن اختفت ..من الغرفة لعلها
دخلت الحمام ...ثم
عادت وارتدت ثوب النوم
واستقلت في
فراشها وأخذت تقرأ
...أن عنوان الكتاب (جبى الوحيد )..ثم
أطفأت النور !....
و......
رجل عجوز ...يبدو أنه
يوناني ...يتناول
عشاء مكونا من
زيتون و(مرتديلا )
...وبجانبه زوجته ..عجوز مثله ...أنها
لا تأكل , ولكنها تتكلم
...تتكلم كثيرا هذه المرآة !..ا
وظلت عيني فوق
النظارة
حتى الساعة الرابعة
صباحا ..ا
وعندما أطفئت كل
الأنوار ولم يعد هناك شيء أراه ...ا
ونمت
لعلني لم أنم ..أنما
أغمضت عيني لأستعيد مناظر الناس
الذين رأيتهم
...الناس في حياتهم الخاصة ..في أدق تفاصيل
حياتهم...إن الناس في حياتهم الخاصة
...في أدق تفاصيل
مخلوقات عجيبة .مثيرة
غير الناس الذين تلتقي بهم في الشارع
!....ا
وفتحت عيني في الساعة
السابعة ملهوفا ,وجريت إلى
الشرفة ,والى النظارة
...وعدت أرى الناس , يتثاءبون ,ويغسلون
وجوههم ..بعضهم مكشر ,وبعضهم
مبتسم ....ا
هل تعرف من بين مائه
شخص لا تجد واحد ينزل
من فراشه
بنفس الطريقة التي
ينزل بها الأخر ...وهل تعرف أن ليس هناك
زوج يقبل زوجته عندما
يفتح عينيه في الصباح ,بل أول ما يفعله
هو أن يدير وجهه عنها ....ا
أنها حياة عجيبة
...مثيرة ... حياة الناس الخاصة !!....ا
وتنهدت إلى أن وصلت
الساعة إلى الثامنة ...لقد تأخرت عن
موعد العمل ..أنها أول مرة
في حياتي أتأخر ...ا
وارتديت ثيابي سريعا
,وذهبت للوزارة ...ولم أقبل
على
التحدث لزملائي
كعادتي ..أنما بقيت سارحا في الحياة التي
رأيتها خلال النظارة
..بل أنى لم أستطع أن أحضر ذهني في
دوسيه واحد من الدوسيهات المكومة
أمامي ...لم أؤد عملا ...ا
وبقيت أتعجل ساعة
الانصراف ...ثم
انطلقت كالمجنون
..عائدا
إلى النظارة
!!!.......ا
ومرت الأيام .....ا
وحياتي كلها محصورة
في هذه العدسة الضيقة التي أطل منها
على حياة الناس الخاصة ....وقد
عرفت هؤلاء الناس كما لم يعرفهم
أحد ,وكما لا يتمنون
أن يعرفهم أحد ..عرفتهم
حتى كأني أصبحت
أعيش معهم ..أنى أعرف
موعد عودة كل منهم ..وأعرف ماذا
يأكل كل منهم ..وكم
بدلة أو كام فستان في دولابه أو دولابها
...وأعرف مزاج كل منهم
...وأعرف شذوذ كل منهم ..أعرف ...ا
أعرف ...أه لو ذكرت
كل ما أعرفه عن هؤلاء
الناس لو عرفوا ...ا
كل ما أعرفه عنهم
...لا فضلوه أن يقتلوني .....ا
وكنت ألتقي أحيانا
ببعضهم في الطريق , فأهم أن أصافحه ...ا
أحس كأنه قطعة من حياتي
.أنى أراه كما لا يرى نفسه .كما
لم تراه أبدا امرأته ...وأحيانا كنت أرى واحد
منهم يسير محترما
مهابا ,فأضحك ...أضحك
ملء قلبي ..لقد
رأيته بالأمس تحت
قدمي امرأة
وأرى فتاة تسير في
دلال ورقة ,فأضحك ..ا
لقد رأيتها بالأمس حيوانة
شرسة مع أهلها !!!....ا
ومرت الأيام ...... ا
ولم يعد لي سوى
النظارة ....لا أصدقاء ,ولا أقارب , ولا
إحساس ,ولا مزاج ...لا شيء ..لا
شيء .... كل شيء في هذه
النظارة .....ا
ثم مرضت .......ا
ولم أستطع أن أقوم من
فراشي لأطل من النظارة ...وتعذبت
تعذبت الحقيقة ..انتابتني
نوبة هستيرية كالتي تنتاب مدمن
المورفين , عندما
يعجز عن
الوصول إلى المورفين
.....ا
ولكن النوبة خفت في
اليوم التالي ...وحل محلها
ألام المرض
ا...أنى مريض جدااا
..وأنا وحيد في غرفتي ...واكتشفت شيئا
كنت قد نسيته ...ا
اكتشفت أنى لم أتزوج
...ا
واكتشفت شيئا أخر
....ا
اكتشفت أنى أصبحت من الموظفين
المنسين ,ولم أنل ترقية
ولا علاوة منذ أكثر
من عشرين سنة ....ا
نعم .....ا
لقد نسيت نفسي ...ا
نسيت حياتي الخاصة
,وأنا ملهوف
على تتبع حياة
الناس...ا
والسبب؟!...
السبب هو هذه النظارة ...ا
وانتابتني ثورة على
النظارة ...يجب أن أتخلص منها ...ا
يجب أن أحطمها ...يجب أن
أعيش حياتي أنا ,لا حياة الناس ....ا
وتحاملت على نفسي
,وقمت من فراشي أحمل ألامي
,واندفعت
إلى الشرفة ,وأمسكت
بالنظارة بكلتا يدي لألقى بها
إلى الشارع
ا....لأحطمها !...ا
ولكني قبل أن أنزعها
من مكانها وضعت عيني على
العدسة
الصغيرة ولم أرفعها

ليست هناك تعليقات